مجرد صورة معلقة على جدار !!!

Posted by سعيد محمد الشعشعي On الجمعة، 7 أغسطس 2015 0 التعليقات

منذ أن ولدت لم ترى امها ولم تعرف ما تعني كلمة الأم غير صورة معلقة في جدار غرفتها ، أنيقة ملامحها توحي بالحب والعطاء مبتسمة ذات وجة بشوش يشع بالفرح ، كانت أمها مجرد صورة !

خصصت ساعة في كل يوم لمطالعة الصورة ، تحكي لها عما يحدث معها في يومها وما شعورها تشتكي لها ضيقها وتبث أحاسيسها وتطلب مشورتها ثم تودعها بقبلة وذهب.
كانت راضية بهذا الواقع ، كانت تعتقد أن الأم هذه وظيفتها وهكذا يتعامل معها الكل ، كانت أمها مجرد صورة!

كبرت الطفلة وكانت لا تزال تقضي ساعتها أمام الصورة كما كانت تفعل ولكن الوقت قد حان للإنتقال من أجل الدراسة خارج البلاد رغم رفضها لكن اصرار والدها أجبرها على فراق أمها الصورة ، فكانت حزينة كئيبة وأظلمت الدنيا في وجهها. 

سكنت في منزل عائلة جديدة وحياة اخرى ، كانت الأم في هذه الحياة ليست صور بل انسانة تتحرك وتتكلم وتفهم ما يقال لها وتشعر بالاخرين تتعامل معهم بكل حب وصبر كانت تجاوب ابنائها بصوت مسموع تحل مشاكلهم تمرض لمرضهم كانت الأم حياة ليست مجرد صورة. 

لم تتقبل هذه البنت هذا النوع من الأمهات ، لم يسعفها ماضيها في فهم هذه العلاقة الجديدة ، ولم تستوعب النقلة النفسية والصدمة المعرفية التي نقلتها من أن الأم مجرد صورة معلقة في جدار غرفتها إلى هذه الإنسانة والتي أصبح التواصل معها أكثر واقعية والإحتكاك بها الجسدي وطريقة التعامل اليومية معها كانت بالفعل صدمة العمر. 

استمر النزاع النفسي بداخل الفتاة مدة ليست بالقصيرة والتي عانت خلال تلك الحقبة من أزمات نفسية وحروب داخلية ونزاعات بين الأفكار السابقة والجديد إلا أنها وبرغب عن استيعابها لهذه الفكرة الا أنها إقتنعت بالواقع وتعاملت معه بشيء من الحذر الذي ما لبث أن زال مع الأيام وتلاشى وأعقبة تعلق قوي ورابطة جياشة لتعويض الفراغ الناتج عن هذه الحقيقة الجديدة. 

وعند انتهاء الدراسة الجامعة وعندما حان وقت العودة كانت لابد من حل أزمة قادمة والتجهيز لحرب تشتعل بفتيل العودة للمربع الأول والرجوع إلى الأم الصورة والتعامل مع الواقع الجديد القديم وحقيقة أن أمها مجرد صورة !

والأسئلة التي طرحتها على نفسها كانت كثيرة ، هل تترك الحقيقة وتعود للخيال؟ هل تنسف الأحاسيس والعواطف التي تتجسد على الواقع وترجع الى الأحلام والفراغ؟ أم أن الحلم قد يصبح أمر واقع رغم عدم تحقِقْه؟ هل تفرح بالعودة أم تحزن؟ هل تحرق الصورة من أجل الجسد أم تبقي على الصورة وتهجر الجسد؟

وكانت في كل مرة تجاوب عن كل سؤال بجواب واحد كان يجعلها تصل لدرجة الخضوع الإجباري بل كانت تناهز درجة القناعة ، وكانت الإجابة رغم سذاجتها وبساطة فكرتها إلا أنها كانت اجابة صحيحة ألا وهي أن أمها مجرد صورة معلقة على حائط…

بقلم : سعيد محمد الشعشعي

0 التعليقات :

إرسال تعليق