الذين يقنطون الناس من رحمة الله
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشهد أن لا إلا الله القائل : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾الزمر 53.
والقائل عز وجل : ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ الأعراف: 156 . وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد عبده ورسوله ﷺ القائل : " لن يُدخل أحداً عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ، ولا يتمنين أحدكم الموت ، : إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب " متفق عليه .
تباركت وتعاليت ياغفار الذنوب , وستار العيوب , فأنت الذي تقبل التوبة عن عبادك , وتعفو عن السيئات , ولاتنفعك طاعة المتعبدين , ولاتضرك معصية من أسر القول ومن جهر به , ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار .إن من الناس من عندما يسمع مثل هذه الآيات والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة يظن أن هذا إنما لمن تاب من الذنب وفقط وليس لكل من آمن بالله وصدق بنبوة الرسول ﷺ وشهد الشهادتين وعمل بمقتضاها فيقول القائل منهم : لن يغفر الله ذنب من عمل السيئة ولم يتب ومات على ذلك . وهذا مخالف لصريح القرآن الكريم وصحيح السنة فكما ذكرنا في الآيات أن رحمة الله وسعة كل شي وهذا بيان عام لم يقترن بقرينة ولم يشترط بشرط التوبة حتى تقتصر رحمة الله على التائبين قال تعالى : ﴿ نَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ النساء 48. ومن خلال هذا المنظور البشرى لرؤية العلاقة بين الإنسان وبين ربِّه يكون هناك تدخُّلات ليست ببعيدة عن حياتنا، بل هي ليست وليدة هذا الجيل أو الذي قبله، بل منذ أنْ كان سيد البشر - ﷺ- يخبرنا بخبر السماء والأمم السابقة فإن مَن لم يفطن إلى سعة رحمة الله - عز وجل - لن يخرج عن نوعين:
1- إمَّا إنسان يرى أن ذنوبه أكبر، وأخطر من أن تُغفَر فوكَل نفسه إلى عقله القاصِر عن إدراك رحمة الله - عز وجل -عن أبي هريرة رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: " قال رجل لم يعمل خيراً قط: إذا مات فحرقوه، واذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك، وأنت أعلم، فغفر له " متفق عليه.
2- ونوع آخر اصطدم بمَن يقطِّبون عن جبينهم، وظنُّوا أنهم بعباداتهم صاروا يحكمون على عباد الله، وقد أخبرنا رسولنا - ﷺ - عن مثل هذه النوعية عن جندب: أن رسول الله ﷺ حدث أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى علي أن أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك . مسلم (2023).
وهنا يجب بيان أن الحديثان السابقان لا يفتح الباب للتطاول على حرمات الله بل هما بيان لسعة رحمة الله عز وجل وأنت موكل بعملك عن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ : "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله و النار مثل ذلك " رواه البخاري (6488) .
قال الإمام الشافعي رحمة الله حينما شارف على الموت :
وَلَمَّا قَسَى قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي*** جَعَلْتُ الرَّجَاءَ مِنِّي لِعَفْوِكَ سُلَّمَا
يُعَاظِمُنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ بِعَفْوِكَ *** رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
فليعلم الجميع أن رحمة الله واسعة وأن عفو الله أعظم من ذنبك وأكبر من خطاياك ، ومفغرة الله أوسع من كل ما اقترفته فلا تصاب بالإحباط ولا تيأس من روح الله لا تقنط من رحمة الله فالله يغفر للعبد بالتوبة ويغفر له بالتوحيد والإستغفار ويغفر له بالأعمال الصالحة وبالمصائب التي تصيبه ففِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ ﷺأَنَّهُ قَالَ : " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةِ يشاكها إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " فأنت تتعامل مع الخالق الغني الكريم الرحيم الحليم الواجد الماجد الجواد سبحانه وتعالى ولا تتعامل مع البشر فإن غالب البشر بخلاء أشحه حسده حقده ممسكين ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ) الإسراء .
11 التعليقات :
إرسال تعليق